خلال شهر حزيران من العام ٢٠١٩ أي قبل أربعة أشهر من إندلاع إنتفاضة الحراك المدني في ١٧ تشرين الأول وإستقالة الرئيس سعد الحريري بدأ الحديث في الكواليس السياسية المغلقة عن وجود قرار متخذ على أعلى المستويات لإمتناع لبنان عن الوفاء بإلتزاماته المالية الدولية وعدم دفعه إستحقاق اليوروبوند البالغ مليار و٢٠٠ مليون يورو في أيار من العام ٢٠٢٠ . يومها حصلت على الأثر إتصالات مباشرة مع الرءيس بري ومع حزب الله حيث تم وضعهما بأجواء هذا “الهمس الخطير” وجرى تنبيهما لخطورته في حال الذهاب الى هذا الخيار والعمل على منع تحقيقه وإفشاله لانه اذا نفذ سيكون مقتلا ل”سعر صرف الليرة” أمام الدولار حيث سيعتبر لبنان انذاك “دولة ممتنعة عن الدفع” وهذا يعني باللغة الديبلوماسية “دولة مفلسة” وفق المصطلح المالي الدولي . وكذلك تم وضع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بهذه الأجواء التي إستهجنها وقال معلقا بإنه لا يوجد مسؤول عاقل يمكن أن يوافق على مثل هذه الخطوة الخطيرة . وقام بدوره على الفور وبعيدا عن الإعلام اجراء الاتصالات اللازمة مع كبار المسؤولين لأحباط هذا التوجه قبل الوصول إليه لخطورته على مستقبل الوضع النقدي ككل في البلد . وكذلك الأمر حصل مع الرئيس سعد الحريري الذي وضع في أجواء هذه المعلومة وكان جوابه بأن مثل هذه الخطوة لا ولن تمر طالما هو على رأس الحكومة. كما تم وضع بعض الجهات المصرفية الفاعلة بأجواء هذه المعلومة الخطيرة التي أستنفرت هي أيضا وقامت بأتصالاتها الهادئة مع ما يلزم من أصحاب الشأن حيث تم تحذير هؤلاء من مغبًة هذا الأمر وأبعاده السلبية على الليرة وقيمتها أمام الدولار . وبعد عشرة أيام على إندلاع إنتفاضة الحراك المدني على أثر زيادة حكومة الحريري ست سنت على تعرفة الواتس اب زار وفد من جمعية المصارف الرئيس الحريري في منزله ببيت الوسط الذي حذره أعضائه من خطورة ما يتم تداوله في الخفاء عن إحتمال إتجاه لبنان للإمتناع عن دفع إستحقاق اليورو بوند في أيار من العام ٢٠٢٠ فكان تأكيد قاطع منه لوفد الجمعية ان هذا الأمر إذا كان صحيحا فإنه لن يقبل بحدوثه ولن يدعه يمر مهما كان الثمن طالما هو رئيسا للحكومة .
وبعد أيام توجه وفد جمعية المصارف للقاء الرئيس بري أيضا للغاية نفسها ليفاجئوا به يقرأ عليهم فور جلوسهم في مقاعدهم خبر إستقالة الرئيس الحريري الذي نزل عليهم كالصاعقة نتيجة خوفهم مما كانوا قد سمعوه بالخفاء عن إحتمال إمتناع لبنان عن دفع إستحقاق اليورو بوند خاصة وأن الحريري كان طمأنهم بأنه لن يسير بالأمر طالما هو على رأس الحكومة . وسمع وفد الجمعية من الرئيس بري التأكيد ذاته الذي كانوا قد سمعوه من الرئيس الحريري بأن هذا الأمر لا يمكن أن يقبل به أو يسمح بتمريره حرصا على الوضع النقدي بالبلد. وبعد تشكيل الرئيس حسان دياب لحكومته مطلع العام ٢٠٢٠ على أثر ذهاب المشاورات النيابية في قصر بعبدا بإتجاه تكليفه زاره وفد الهيئات الاقتصادية بمن فيهم ممثل جمعية المصارف الدكتور جوزف طربية في السراي مهنئا ، وخلال اللقاء إنبرى طربية بتحذيره من أحتمال توجه لبنان للإمتناع عن دفع إستحقاق اليوروبوند كما يحكى همسا في الكواليس السياسية المغلقة ليرد عليه دياب بنبرة رجل الدولة المسؤول الرافض لهذه الخطوة جملة وتفصيلا لأنه يدرك خطورتها على سمعة لبنان الدولية ماليا ويعرف مدى تأثيرها السلبي على سعر صرف الليرة أمام الدولار الذي لن يكون هناك سقف لتدهوره في حال الذهاب للإمتناع عن الدفع حسب قوله للوفد. فترك كلامه إرتياحا لدى أعضائه الذين بعد خروجهم من مكتبه عمموا موقفه المطمئن هذا على كل المسؤولين في القطاعات الإنتاجية والاقتصادية والمالية والمصرفية في البلد . لكن لا بد من الكشف عن الحوار الطريف الذي حصل بين شقير وطربية بعد لقائهم دياب حيث خاطب الأول الثاني قائلا له : ضروري ترعبوا للزلمي بهيك خبرية وما صرلوا بالقصر من مبارح العصر . ليرد الثاني عليه : ينرعب هويي ولا ينرعب البلد .
وبعد أيام على زيارة وفد الهيئات الإقتصادية لدياب خرجت بعض الأصوات السياسية والإعلامية تدعو جهارا إلى ضرورة إمتناع لبنان عن دفع إستحقاق اليوروبوند وتحث حكومة دياب على أتخاذ هذا القرار فما كان من سلامة الا الذهاب لدياب وحذره من خطورة إمتناع لبنان عن دفع إستحقاق اليورو بوند في أيار وعرض عليه خريطة طريق تساعد على الحفاظ على إستقرار سعر صرف الليرة وتعيد العلاقة بين المصارف ومودعيها إلى ما كانت عليه قبل إنتفاضة الحراك المدني في ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ تقوم على التالي :
١- دفع فائدة سند اليوروبوند في آذار مع تأجيل إستحقاقه إلى العام ٣٩ مع باقي سندات اليوروبوند المستحقة في ذلك التاريخ .
٢- الذهاب للأسواق المالية الدولية و اعادة حسم سندات اليوروبوند في السوق مع تأجيل جميع استحقاقاتها من العام ٢٠٣٩ لغاية عام ٢٠٤٩ وجلب ما قيمته ٢٥مليار دولار للبلد الذي كانت سوقه المالية آنذاك تحتاج فقط لحوالي ثلاث أو أربع مليار دولار لا أكثر لتعود إلى عافيتها وللأمانة وافق الرئيس دياب على طرح سلامة وأبلغه أمهاله يومين للرد عليه بعد تداوله للأمر مع معاونيه ووزرائه المعنيين. خرج سلامة من عنده مطمئنا لموقفه كما خرج وفد الهيئات الاقتصادية مطمئنا عند زيارته له للتهنئة قبل أيام التي سبقت زيارة سلامة له . لكن في اليوم التالي شنت حملة عشواء على سلامة شخصيا وتدعو لإقالته وتحث دياب وحكومته تحت ضغط الشارع للذهاب إلى إتخاذ حكومته قرار الإمتناع عن الدفع . وهكذا حصل حيث أبلغ دياب سلامة تراجعه عن موقفه الداعم لطرحه بسبب عدم تجاوب باقي المسؤولين معه . فرد عليه سلامة إذن فلتتحملوا أنتم مسؤولية سقوط الليرة وتدهور الوضع النقدي . وهذا ما كان فكانت “مجزرة إعدام الليرة” بقرار همايوني غير مسؤول قامت به حكومة دياب بعراضة إعلامية مضحكة أقل ما يقال فيها بأنها كانت عراضة جهل وتخلف وتآمر أخذت لبنان وأللبنانيين إلى “جحيم” التدهور النقدي حيث نقلت سعر صرف الليرة أمام الدولار بأقل من ساعات معدودة من ١٦٠٠ ليرة إلى ٤٨٠٠ ليرة دفعة واحدة ومن يومها بدأت “مجزرة” إنهيار الليرة وتدحرجها نزولا . وكلنا نعرف كيف تصرف دياب وبعض وزرائه ومستشاريه الماليين مع سلامة بإزدراء وعدم إحترام بالتزامن مع الحملة الشرسة والمبرمجة التي شنت عليه والتي كانت بمثابة قنبلة دخانية لتعمية بصيرة الناس عن القاتل الحقيقي لليرة وتجهيل الدور السلبي والخطير لحكومة دياب في مجزرة إنهيار الوضع النقدي وتحميله للحاكم عبر إجباره على دعم المشتقات النفطية والأدوية والسلع الغذائية مما تسبب بخسارة مصرف لبنان لحوالي ١١مليار دولار من أحتياطه والذي ذهب معظمه لجيوب التجار من محتكري البنزين والمازوت والدواء والقمح والسكر المدعومين من قوى الأمر الواقع في ٨ و١٤ آذار وتيار وطني حر . ولم تنتهي المهزلة القاتلة عند هذا الحد إذ عندما إستقال دياب وكلف ميقاتي بتشكيل الحكومة تلقى الدكتورجوزف طربية إتصال هاتفي من الرئيس دياب الذي عاتبه فيه لانه لم يزره طوال ثمانية أشهر من عمر حكومته . فقال له قبل أن تبلغني عن عتبك علي أنا الذي يجب ابلاغك ليس عتبي عليك فقط بل زعلي منك على نكثك بوعدك لنا عندما زرناك كوفد الهيئات الاقتصادية للتهنئة .فقال لطربية لا نستطيع التحدث على الهاتف فهل تقبل دعوتي لفنجان قهوة غدا . وهكذا كان التقى طربية دياب في اليوم التالي وعاتبه بشدة قائلا له: انت زعلان مني لأنني لم أزورك طوال ثمانية أشهر من عمر حكومتك ، بينما الذي زعلان منك هو أنا . فقال له دياب لماذا ؟ أجابه طربية : أتينا وفد الهيئات الإقتصادية لزيارتك وتهنئتك بتشكيل الحكومة وقمت شخصيا بتحذيرك وتنبيهك عبر الكشف لك عن وجود قرار متخذ قبل تشكيل حكومتك بالتوجه لإمتناع لبنان عن دفع إستحقاق اليروربوند. فأجبتنا إن هذا القرار خطير وأنا لن أقبل بالسير به اذا وجد لانه يؤثر على الوضع النقدي سلبا ويؤدي إلى تدهور خطير بسعر صرف الليرة و غادرنا يومذاك مرتاحين ومطمئنين لموقفك . لنفاجىء بك بعد أسابيع تعلن أنت شخصيا بإسم حكومتك قرار الأمتناع عن الدفع حيث نكثت بوعدك لنا وأخذت وحكومتك قرار قاتل بحق لبنان وشعبه لن يرحمكم عليه التاريخ . أجاب دياب طربية : كان هناك قرار أكبر مني لم أستطع مواجهته . قال له طربية : إذن بين الحفاظ على نفسك وبين ألحفاظ على لبنان واللبنانيين ذهبت إلى الخيار الأول بالحفاظ على نفسك وليس الحفاظ على اللبنانيين وحماية ليرتهم وجنى عمرهم في المصارف لتحمي نفسك من بطش الجهة التي كانت تقف وراء القرار والتي وصفتها لي بأنها أكبر منك بكثير لم تستطع مواجهتها .
يتبين مما تقدم وفق سرد هذه الوقائع الخطيرة وكشفها للبنانيين لأول مرة ما يلي:
أولا : أن رياض سلامة بريء من دم مجزرة سقوط الليرة . وأن كل الحملات الظالمة التي شنت عليه كانت مقصودة للتعمية على الإثم الذي أرتكبه دياب وحكومته .
ثانيا : رياض سلامة كان يملك القدرة للحفاظ على الاستقرار النقدي وإبقاء سعر صرف الليرة بحدود ال١٥٠٠ وحماية أموال المودعين لكن دياب وحكومته منعاه من ذلك تحت ضغط القرار الكبير الذي كشف عنه دياب شخصيا لطربية والذي كان أكبر منه .
ثالثا: بعد الذي كشفه دايفيد شنكر من دور له ولبلاده في الانهيار النقدي والوضع المصرفي والمالي المأزوم في لبنان وتنزيل تصنيف لبنان الإتماني نستنتج أنه هو الجهة التي كان يقصدها دياب لطربية والتي وصفها له بأنها أكبر منه وهي التي كانت وراء إتخاذ حكومة دياب قرار إمتناع لبنان عن دفع أستحقاق اليوروبوند .
رابعا : وهذا يعني أما أن باقي المسؤولين كالرئيسين عون وبري ومعهما وزرائهم المعنيين ومن خلفهم حليفهم حزب الله كانوا كدياب على علم بوجود مثل هذا القرار الكبير الذي لا يستطيعون مواجهته وبالتالي يتحملون جميعهم كامل المسؤولية في مجزرة سقوط الليرة وانهيار الاستقرار النقدي وضرب جنى عمر اللبنانيين وتلك مصيبة كبرى وإذا لم يكونوا هم على علم بالأمر وقد نجح معاونيهم الموثقين من قبلهم من وزراء ومدراء عامين سابقين ومستشارين وخبراء ماليين وإقتصاديين ومصرفيين بإقناع عون وبري ودياب ومعهم باسيل وحزب الله بالذهاب لإتخاذ قرأر إمتناع لبنان عن دفع إستحقاق اليوروبوند في أيار فتلك مصيبة أكبر. حيث أخذوا البلد آنذاك إلى الخراب النقدي والمصرفي وكانت حجتهم حاضرة لتغطية جريمتهم وتآمرهم وهي تحميل إنهيار الليرة وسقوط الاستقرار النقدي للهندسات المالية لسلامة ولسياساته النقدية. وهذا يعني أن هؤلاء المساعدين إستغلوا ثقة رؤسائهم وقياداتهم بهم وهم كانوا فعليا بمثابة عملاء متخفيين لدايفيد شنكر ينفذون توجيهاته سرا في إقناع قياداتهم ورؤسائهم بصوابية قرار الإمتناع عن الدفع وبأن سلامة هو المسؤول عن خراب البصرة نتيجة هندساته المالية وسياساته النقدية وصوروه للبنانيين بأنه هو الشر بعينه .
خامسا : بناء على ما تقدم، هذا الأمر يتطلب من الرئيسين عون وبري ومعهما وإلى جانبهما رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وقيادة حزب الله (وعلى الرئيس دياب أن يفعل الأمر نفسه كذلك ولو أصبح خارج السلطة) مساءلة كل المعاونين من وزراء ومدراء عامين سابقين ومستشارين ماليين وخبراء نقديبن يعملون عندهم وكانوا حاضرين خلال حكومة دياب والذين نصحوهم بالذهاب إلى خيار الإمتناع عن الدفع وفق ما كشفه الرئيس دياب لطربية ومحاسبتهم ومحاكمتهم و الأستغناء عنهم في المواقع التي يشغلونها كمستشارين وخبراء مال وتحميلهم كامل المسؤولية عن هذه الخيانة الوطنية ضد ليرة اللبنانيبن ومدخراتهم في المصارف خدمة لمخطط شنكر في إنهيار لبنان نقديا وإفقار بيئته الوطنية لتركيع حزب الله . فكانت النتيجة أسقطوا اللبنانيين بفقرهم ولم يستطيعوا أسقاط حزب الله .
سادسا : بعد أن يقوم عون وبري وباسيل وحزب الله بمحاسبة معاونيهم الذين كانوا إلى جانبهم خلال حكومة دياب وطردهم ومحاسبتهم وإدخالهم السجن . نتمنى على كل المعنيين وقف حملاتهم الظالمة على سلامة وفتح صفحة بيضاء بعلاقتهم معه والتعاون من الباب العريض ودعمه ليتمكن من إعادة ترميم الوضع النقدي بما يساعد على إستنباط الحلول الإنقاذية التي تساهم بالحفاظ على القطاع المصرفي بعد إعادة هيكليته وحماية كامل ودائع اللبنانيين بكافة شطورهم الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وتصحيح مالية الدولة لإعادة إستنهاض البلد من جديد .
بالخلاصة ثبت بعد كل ما تقدم أن شنكر هو حاكم لبنان الفعلي ومعظم مساعدي قياداته من قوى ٨ و١٤ آذار وتيار وطني حر أزلام عنده ومخبرين ومأجورين ومنفذين لأوامره خدمة لأجندة أسياده وليس خدمة للبنان واللبنانيين طمعا بحفنة من الدولارات الفريش أو طمعا بمركز مالي ونقدي ووزاري .
نتساءل بكل أحترام لماذا هجمة بعض القضاء الذي نقدًر سواء وافقناه أم لا مقتصرة فقط على حاكم مصرف لبنان وكإنه هو المسؤول عن صلب السيد المسيح وكنا قبل أسابيع قليلة في زمن صومه الكبير محتفلين بقيامته من بين الأموات بعد تآمر تجار الهيكل مع زبانيتهم عليه تماما كما تآمر تجار سياسيو لبنان مسلمين ومسيحيبن على الوطن وشعبه ودولته منذ إتفاق الطائف عام ١٩٩٠ مرورا بال٢٠٠٥ وصولا إلى اليوم حتى أصبح هذا الوطن “خربة” ودولته “مفلسة” وشعبه بغالبيته ينتظر فتات الإعانات العربية والدولية لسد رمق عيشه بعد أن كان سيد المنطقة وهم قابعون في قصورهم وفللهم وشققهم الفاخرة وسط الحراسات العسكرية والأمنية والميلشياوية يتمتعون وزوجاتهم وأولادهم وأزلامهم من وزراء الصدفة والوقية بأموال الهدر الذي حصًلوها من الصفقات والسمسارات التي مرروها بالتوافق بين بعضهم البعض في مجالس وزراء الحكومات المتعاقبة مند ٣٢ سنة لليوم عبر مجلسًي الإنماء والإعمار والجنوب والهيئة العليا للإغاثة وصندوق المهجرين ووزرارات المالية والصحة والأشغال والطاقة والإتصالات والتربية والبيئة والتنمية الإدارية .
فهؤلاء هم المسؤولون عن صلب لبنان والقتلة النقديون والماليون والإقتصاديون الحقيقيون لشعبه ودولته لا رياض سلامة الذي جريمته الوحيدة أنه وثق بالدولة وبسياسييها ووفر لسلطاتها وإداراتها ومؤسساتها المدنية والعسكرية كل التموييل طوال ٢٦ عاما وأمًن للبنانيين على إختلاف فئاتهم إستقرارا نقديا ساهم في إستنهاض البلد وفي رخاء أهله .
من هنا نقول أن الملاحقات القضائية والمساءلات والتحقيقات كان يجب أن تذهب بهذا الإتجاه لأن هؤلاء هم المسؤولون عن الإنحدار أللا أخلاقي الذي وصل اليه البلد على كافة الأصعدة النقدية والمالية والإقتصادية . فهذه المنظومة من ميليشياويين وسياسيين ورجال أعمال الذين أستولوا على السلطة منذ إتفاق الطائف إلى اليوم هم الذين نهبوا أموال اللبنانيين في المصارف ومصرف لبنان والخزينة العامة وهم الذين يجب مساءلتهم قضاءيا .
كما إن إنهيار الليرة وضرب الإستقرار النقدي يتحمله حسان دياب و “حكومة اللعنة” الذي ترأسها والتي إنتقلت بالبلد من ١٥٠٠ ليرة للدولار إلى ٤٨٠٠ ليرة بيوم واحد منذ لحظة إعلانه بنفسه إمتناع حكومته عن دفع سند اليورو بوند الذي كان مستحق على لبنان بقيمة مليار و٣٠٠ مليون يورو في آيار من العام ٢٠٢٠ مما أدى إلى تدهور درامي تدريجي غير مسبوق لسعر صرف الليرة حتى وصل إلى أرقام خيالية ووضع لبنان في خانة الدول الممتنعة عن الدفع أي بالترجمة الديبلوماسية وضعه في خانة الدول المفلسة . ولم تكتفي “حكومة اللعنة” بقرار إلإمتناع عن الدفع بل عمدت إلى إجبار مصرف لبنان بصرف ١٥ مليار دولار من أحتياطه على دعم المشتقات النفطية من بنزين ومازوت وفيول والمواد الغذائية والأدوية والتي نهبت بمعظمها وتوزعت على أزلام القوى السياسية من التجار التابعين لهم مما أفقد مصرف لبنان لنصف أحتياطه الذي كان يبلغ آنذاك ٣٣مليار دولار والذي كان من الممكن توفيره لوقف تدهور الليرة ومنعه من الوصول الى أرقام عالية . وهذا ما يجب التحقيق به ومساءلة دياب ووزرائه لماذا فعلوا هذا الأمر وأخذوا البلد إلى إنهيار عملته وضرب إستقراره النقدي يالتزامن أيضا مع الإستماع إلى كل القوى السياسية التي شاركت بوزرائها في الحكومات المتعاقبة والذين يعتبرون هم المسؤولين الأكبر عن سقوط البلد وإفلاس دولته وإفقار شعبه بعد أخذهم لودائعه في المصارف عبر سندات الخزينة التي كان يؤمن تموييلها مصرف لبنان ووزارة المالية معا تنفيذا للقوانين التي كان يقرها مجلس النواب بطلب من هذه الحكومات التي تتحمل مع حكومة دياب كل ما آل إليه لبنان واللبنانيين معا من مآس ودمار وخراب وفقر لا سلامة الذي يتم الإستقواء عليه لانه لا يملك ميليشيا ولا لديه حزب ولا عنده تيار سياسي ولا أي جهة سياسية تدعمه وتقف إلى جانبه ولهذا يريدونه كبش فداء ليهربوا من مقصلة الشعب ويحموا فسادهم من المساءلة والمحاسبة
لا بد من توجيه الشكر الجزيل لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة على منحه الفرصة للعديد من المغمورين وإلى العدد الأكبر الآخر الطامح للظهور الاعلامي على شاشات التلفزيون وعلى اليوتيوب . لقد ظهر في لبنان خبراء محاسبة و فطاحل اقتصاد وجهابذة قانون واختصاصيين في السياسة النقدية والمالية اكثر مما لدى الولايات المتحدة الأمريكية من ذات النوع . الظهور الاعلامي مرض نفسي اصاب كل من قالت له امه تقبرني على هالطللة كنت بتاخذ العقل على التلفزيون . ووسائل الإعلام ترغب دائما بتعبأة مساحات بث مجانية لا تكلفها اية أعباء فسمحت لهؤلاء الغوغائيين بالظهور على شاشاتها . موجة الهجوم على حاكم مصرف لبنان تعرض اللبنانيين للمخاطر والتي ستصيبهم حكما مع كل حملة جديدة قديمة عليه.و دخل الجميع آتون هذه الحرب المقدسة والجهاد الأكبر في سبيل الظهور والشعبوية من قضاة إلى نواب ووزراء وأصحاب أموال ومنصات تواصل مدفوعة الثمن وصحف بعضها أعلن الجهاد منذ ما قبل الازمة لأنها لم تجد مع الحاكم منفعة ومصلحة أو قرض مدعوم الفوائد. وتناسى الجميع الطبقة السياسية التي حكمت البلد واهدرت أموال الناس و نهبت ما استطاعت اليه سبيلا . وأيضا تناسى العهد القوي من جهته أن الحكم في لبنان هو استمرارية وانه سيرث افعال و نتائج أفعال من سبقوه في الحكم وأن الدولة قد استدانت واقترضت وأنفقت وعليها دين عام يجب سداده من قبلها لا من قبل المصارف والناس. التحقيق الذي يجريه القضاء حاليا بخصوص مبالغ اقرضها مصرف لبنان لبعض المصارف أعلنها الحاكم خلال مؤتمره الصحفي مع بداية الازمة وأفاد من يريد أن يسمع بأن المصارف لديها حسابات مجمدة لدى المصرف المركزي ومن أراد السحب منها عليه أن يدفع فائدة مقدارها ٢٠% اي ان المبالغ التي اقرضها هي من بعض حسابات هذه المصارف ولديها حسابات اخرى ولا تزال وأن سحوبات المصارف استعملت لتغطية سحوبات المودعين لديها وكذلك لتغطية ودائع للمؤسسات المصرفية المودعة لديها منعا من إعلان توقفها عن الدفع في الخارج علما ان اسعار الدولار كانت حينها لا تتجاوز ١٨٠٠ ل.ل للدولار الواحد وقبل أن تقوم حكومة دياب بالتخلف عن دفع سندات اليوروبوند.تلك الخطيئة التي ورطتنا بعواقب سنتحمل نتائجها لسنوات طويلة مقبلة .من السهل أن تجمع جهة ما مجموعة من المقالات والدراسات وتصيغها على شكل دعوى ظاهرها إصلاحي وباطنها سياسي و الهدف الأساسي منها الشعبوية والرغبة في السلطة .
لقد تغاضى الكل عن صناديق الهدر وعن مجالس السرقة و عن التزامات وسمسرات الوزارات في الكهرباء والاتصالات والاشغال والصحة والتربية والبيئة وغيرهم وعن الطبقة السياسية الفاسدة التي حكمت البلد منذ ٣٠ عاما ولا تزال تتحكم به واعتمدت فقط في إصلاحها على الحائط المائل و يرغبون مخالفة كل القوانين واستعمال سلطتهم في غير مكانها ولكن ستثبت الايام القادمة انهم اخطأوا وأن تركيزهم على جهة واحدة هي رياض سلامة لن تحقق اي نتيجة سوى خراب ما تبقى من البلد الذي لم يستحقوه يوما وحولوه الى مشاع لهم وعائلاتهم وأزلامهم .
نقل الصحفي المحترم الاستاذ نبيه البرجي في مقال له تاريخ ٢٤ ايار ٢٠٢٢ حمل عنوان “راقصو الروك في عربة الموتى” عن برنار أيميه رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية والسفير السابق في بيروت قوله : لندع لبنان يمضي الى الانهيار الكبير أو الى الخراب الكبير وحتى الى الفوضى الكبرى كسبيل وحيد لإندثار المنظومة السياسية بكل مكوناتها وذلك أفضل من الذهاب نحو تسوية حكومية ومن ثم رئاسية تكرس سياسات الأجترار والدوران العبثي حول الأزمة . تاليا الموت البطيء للدولة ولرعايا هذه الدولة وقد أثبتت أحداث السنوات الأخيرة عجز تلك المنظومة وسقوطها الاخلاقي والسياسي دون ان يكون لديها من هدف سوى البقاء على رأس سلطة هي مثال للهلهلة وللتعفًن والتبعية”.
لو كان المسؤولون الفرنسيون ومن بينهم السفير أيميه نفسه صادقون في هذا الكلام وجادون في انهاء منظومة الفساد التي وضع ماكرون قادتها وممثليها على طاولة مستديرة ترأسها في قصر الصنوبر ( طبعا بتنزيه محمد رعد من هذه المنظومة ) لكانوا ذهبوا الى كشف حساباتهم هم وزوجاتهم واولادهم وازلامهم في المصارف الفرنسية والاوروبية وكشف عقاراتهم من منازل وفلل وشقق وقصور وشركات في فرنسا واوروبا وحتى اميركا . وعدم وجود سرية مصرفية في فرنسا ودول الاتحاد الاوروبي واميركا يسهًل على أيميه الوصول لارقام اصحاب الحسابات المالية وبالطبع إلى عقاراتهم أيضا علما أن كونه رئيس جهاز أمني من ألأكيد لديه أرقام حساباتهم وأسماء المصارف الموضوعة فيها ويعرف أيضا مكان عقاراتهم لذلك كان ألأسهل عليه وعلى باقي المسؤولين الفرنسيين ومعهم الأميركان بدل اخذهم لبنان الى الانهيار الكبير والفوضى الأكبر كسبيل وحيد لإندثار قادة وسياسيي المنظومة السياسية الفاسدة بكل مكوناتها حسب إدعاءه أن يذهبوا لو كانوا جديين وصادقين بمساعدة اللبنانيين للخلاص من منظومتهم السياسية الفاسدة الى كشف حساباتهم المالية وعقاراتهم في الخارج لكان الناس لوحدهم أسقطوا معظمهم في صناديق الأقتراع خلال الانتخابات النيابية الاخيرة قبل اسابيع ولكانوا أنقذوا لبنان وأعادوا الأمل الى اهله مقيمين ومغنربين بإعادة إستنهاضه وبنائه على أسس حضارية وراقية بعيدا عن التزلف والإستزلام لهذا البيك والشيخ والزعيم أو لذاك الحزب والتيار ولمنعوا إستكمال سقوط ما تبقى من دولتهم وحموا مدخراتهم في المصارف من التبخر .
والحقيقة يجب أن تقال إنطلاقا وهي أن السفير أيميه ومعه رئيسه ماكرون وإلى جانبهم الاميركي هم الذين يرعون قادة وازلام منظومة الفساد في الداخل اللبناني وهم أنفسهم أيضا من يحمي اموالهم وعقاراتهم في الخارج ومعهم ومن خلفهم اسراءيل التي تطلب منهم ذلك لأنه لا يناسبها إصطلاح الامور في لبنان وهي التي تمنع فعليا حصول التغيير الحقيقي فيه كي لا يصبح لبنان بلد قوي بمنطق “دولة العلم والثقافة والديمقراطية الصحيحة التي قد تتكامل مع منطق قوة الصواريخ فتحول لبنان إلى أيقونة المنطقةعلما وثقافة وتطورا وديمقراطية وقوة منيعة لا تقهر” وهذا الأمر إذا ما حصل من شأنه أن يساعد على تسريع إنهاء وجودها في المنطقة كدولة مغتصبة لفلسطين ومحتلة لاراضي جيرانها بينما في المقابل بقاء لبنان دولة للفوضى ولرعاع المذاهب والطوائف والاحزاب والتيارات المتناحرة يساعد على إطالة بقائها في المنطقة عبر إستمرار تأمين ال “عطف” الدولي عليها وإبقاء مظلة الحماية الاميركية والغربية لها تحت حجة انها بلد الديمقراطية والعلم والثقافة والتطور التكنولوجي الوحيدة في المنطقة والمحاطة بدول الجهل والتخلف والتناحر المذهبي والتقاتل الطائفي والتسابق على السلطة والنفوذ .
وفق المعلومات والمعطيات المتوفرة البلد مرشح للدخول بغيبوبة سياسية نتيجة التطاحن السياسي المتوقع حصوله بين الكتل النيابية التي أفرزتها الانتخابات النيابية والمقسمة لثلاث كتل الأولى والتي تضم الثنائية الشيعية والتيار الوطني الحر وحلفائهم المردة والاحباش وبعض النواب السنة والعلويين المستقلين ، والثانية تضم القوات اللبنانية وحزب الكتائب وحليفهما أشرف ريفي وعدد من النواب السنة المستقلين ، والثالثة تضم نواب المجتمع المدني ومعهم النواب المستقلون أوسامة سعد وعبد الرحمن البزري وميشال معوض ونعمة فرام وغيرهم
هذا التطاحن السياسي المنتظر بين التجمعات النيابية الثلاث المشار إليها آنفا سيؤدي الى تعطيل الحياة العامة في البلد بدءا من تشكيل الحكومة (رئيسها ووزرائها وشكلها) وصولا لإنتخاب الرئيس العتيد . لذلك وفي ظل التطاحن السياسي المتوقع وفق الصورة التي ظهًرتها نتائج هذه الإنتخابات بات من المؤكد انه لا تشكيل لحكومة ما بعدها وستبقى حكومة ميقاتي بتصريف الأعمال وأن الفراغ الرئاسي ينتظر خلف الباب ليطل برأسه على اللبنانيين بعد خمسة أشهر من اليوم . ماذا يعني هذا الكلام :
١- مزيد من التدهور النقدي حيث يتوقع ان يصل الدولار الى حدود الخمسة والاربعين والخمسين الف ليرة قبل نهاية ايلول عشية بدء العد العكسي لنهاية العهد الحالي .
٢- إضطرابات أمنية متنقلة في كل المناطق اللبنانية بدءا من العاصمة على شاكلة أحداث الطيونة والتي يخشى أن يدخل على خطها هذه المرة بعض النازحين السوريين المتواجدين بكثافة كعمال في كل شوارع الاحياء في بيروت وطرابلس وصيدا وجونية وجبيل وزحلة وصور والنبطية وحاصبيا وعكار وباقي البلدات والقرى على مساحة البلد الجغرافية خاصة وان معظم هؤلاء مدرب أصلا على حمل السلاح والقتال كما يخشى على هامشها حصول بعض الاغتيالات التي تطال بعض رجال الصف الثاني او الثالث في القوى الفاعلة والمؤثرة لزيادة البلبلة الامنية في البلد .
٣- حزب الله الذي يبدي إنفتاح إيجابي على الاتصالات الفرنسية معه ويشجعها تمهيدا للتفاهمات التي يمكن الوصول اليها مع باريس والتي تحفظ له مكانته في اللعبة الداخلية في حال إقرار التسوية الاميركية – الايرانية في المنطقة لن يسمح بالتأكيد بأن يؤدي الإنفتاح الفرنسي عليه بأضعاف دوره داخل تركيبة السلطة المقبلة أو بالأتيان له برئيس خارج التفاهم معه وخارج المعادلة التي تحفظ سلاحه ونفوذه وهذا يعني كلما عجلوا بالتفاهم معه كلما ساهموا بتقصير مدة الفراغ الرئاسي وساهموا بالتخفيف من معاناة اللبنانيين ، أما إذا لم يتم ذلك فهذا يعني إطالة أمد الفراغ الرئاسي وإطالة معاناة اللبنانيين .
٤- ولهذا سيسعى الفرنسيون بإتصالاتهم مع حزب الله لخلق فجوة في جدار العلاقة بينهم وبين السعودية قد تؤدي الى نجاح ماكرون بتأمين إعادة قنوات الحوار المباشر بين الطرفين والذي كان شيراك قد نجح بتحقيقه عام ٢٠٠٥ بعد اغتيال الحريري والذي عقد على اساسه عدة جلسات في الرياض بين وفد الحزب برئاسة نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم والمسؤولين السعوديين برعاية الملك عبدالله .
٥- اذا نجح ماكرون بإعادة قنوات الحوار بين حارة حريك والرياض فهذا قد يؤدي الى تسريع إنعقاد طاولة الحوار الوطني في سان كلو برعاية دولية مدعومة من الفاتيكان والسعودية ومصر وايران يحضرها القوى السياسية على إختلاف مشاربهم بمن فيهم وفد يمثل قوى المجتمع المدني قبل نهاية العام الحالي او مطلع العام المقبل حيث يتم التفاهم خلاله على بعض الاصلاحات الدستورية وعلى أسم الرئيس المقبل على غرار ما حصل في تسوية الدوحة عام ٢٠٠٨ .
بالخلاصة إذا لم يتم كل ذلك وبوقت ليس ببعيد تكون عند ذاك نتائج الإنتخابات النيابية قد أدخلت لبنان وأهله في آتون نفق أسود جديد أسوأ وأخطر من آتون النفق الأسود الذي هو بداخله اليوم .
المحرر.