سلامة بريء من مجزرة إنهيار الليرة معطيات ووقائع تكشف لأول مرة

خلال شهر حزيران من العام ٢٠١٩ أي قبل أربعة أشهر من إندلاع إنتفاضة الحراك المدني في ١٧ تشرين الأول وإستقالة الرئيس سعد الحريري بدأ الحديث في الكواليس السياسية المغلقة عن وجود قرار متخذ على أعلى المستويات لإمتناع لبنان عن الوفاء بإلتزاماته المالية الدولية وعدم دفعه إستحقاق اليوروبوند البالغ مليار و٢٠٠ مليون يورو في أيار من العام ٢٠٢٠ . يومها حصلت على الأثر إتصالات مباشرة مع الرءيس بري ومع حزب الله حيث تم وضعهما بأجواء هذا “الهمس الخطير” وجرى تنبيهما لخطورته في حال الذهاب الى هذا الخيار والعمل على منع تحقيقه وإفشاله لانه اذا نفذ سيكون مقتلا ل”سعر صرف الليرة” أمام الدولار حيث سيعتبر لبنان انذاك “دولة ممتنعة عن الدفع” وهذا يعني باللغة الديبلوماسية “دولة مفلسة” وفق المصطلح المالي الدولي . وكذلك تم وضع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بهذه الأجواء التي إستهجنها وقال معلقا بإنه لا يوجد مسؤول عاقل يمكن أن يوافق على مثل هذه الخطوة الخطيرة . وقام بدوره على الفور وبعيدا عن الإعلام اجراء الاتصالات اللازمة مع كبار المسؤولين لأحباط هذا التوجه قبل الوصول إليه لخطورته على مستقبل الوضع النقدي ككل في البلد . وكذلك الأمر حصل مع الرئيس سعد الحريري الذي وضع في أجواء هذه المعلومة وكان جوابه بأن مثل هذه الخطوة لا ولن تمر طالما هو على رأس الحكومة. كما تم وضع بعض الجهات المصرفية الفاعلة بأجواء هذه المعلومة الخطيرة التي أستنفرت هي أيضا وقامت بأتصالاتها الهادئة مع ما يلزم من أصحاب الشأن حيث تم تحذير هؤلاء من مغبًة هذا الأمر وأبعاده السلبية على الليرة وقيمتها أمام الدولار . وبعد عشرة أيام على إندلاع إنتفاضة الحراك المدني على أثر زيادة حكومة الحريري ست سنت على تعرفة الواتس اب زار وفد من جمعية المصارف الرئيس الحريري في منزله ببيت الوسط الذي حذره أعضائه من خطورة ما يتم تداوله في الخفاء عن إحتمال إتجاه لبنان للإمتناع عن دفع إستحقاق اليورو بوند في أيار من العام ٢٠٢٠ فكان تأكيد قاطع منه لوفد الجمعية ان هذا الأمر إذا كان صحيحا فإنه لن يقبل بحدوثه ولن يدعه يمر مهما كان الثمن طالما هو رئيسا للحكومة .
وبعد أيام توجه وفد جمعية المصارف للقاء الرئيس بري أيضا للغاية نفسها ليفاجئوا به يقرأ عليهم فور جلوسهم في مقاعدهم خبر إستقالة الرئيس الحريري الذي نزل عليهم كالصاعقة نتيجة خوفهم مما كانوا قد سمعوه بالخفاء عن إحتمال إمتناع لبنان عن دفع إستحقاق اليورو بوند خاصة وأن الحريري كان طمأنهم بأنه لن يسير بالأمر طالما هو على رأس الحكومة . وسمع وفد الجمعية من الرئيس بري التأكيد ذاته الذي كانوا قد سمعوه من الرئيس الحريري بأن هذا الأمر لا يمكن أن يقبل به أو يسمح بتمريره حرصا على الوضع النقدي بالبلد. وبعد تشكيل الرئيس حسان دياب لحكومته مطلع العام ٢٠٢٠ على أثر ذهاب المشاورات النيابية في قصر بعبدا بإتجاه تكليفه زاره وفد الهيئات الاقتصادية بمن فيهم ممثل جمعية المصارف الدكتور جوزف طربية في السراي مهنئا ، وخلال اللقاء إنبرى طربية بتحذيره من أحتمال توجه لبنان للإمتناع عن دفع إستحقاق اليوروبوند كما يحكى همسا في الكواليس السياسية المغلقة ليرد عليه دياب بنبرة رجل الدولة المسؤول الرافض لهذه الخطوة جملة وتفصيلا لأنه يدرك خطورتها على سمعة لبنان الدولية ماليا ويعرف مدى تأثيرها السلبي على سعر صرف الليرة أمام الدولار الذي لن يكون هناك سقف لتدهوره في حال الذهاب للإمتناع عن الدفع حسب قوله للوفد. فترك كلامه إرتياحا لدى أعضائه الذين بعد خروجهم من مكتبه عمموا موقفه المطمئن هذا على كل المسؤولين في القطاعات الإنتاجية والاقتصادية والمالية والمصرفية في البلد . لكن لا بد من الكشف عن الحوار الطريف الذي حصل بين شقير وطربية بعد لقائهم دياب حيث خاطب الأول الثاني قائلا له : ضروري ترعبوا للزلمي بهيك خبرية وما صرلوا بالقصر من مبارح العصر . ليرد الثاني عليه : ينرعب هويي ولا ينرعب البلد .
وبعد أيام على زيارة وفد الهيئات الإقتصادية لدياب خرجت بعض الأصوات السياسية والإعلامية تدعو جهارا إلى ضرورة إمتناع لبنان عن دفع إستحقاق اليوروبوند وتحث حكومة دياب على أتخاذ هذا القرار فما كان من سلامة الا الذهاب لدياب وحذره من خطورة إمتناع لبنان عن دفع إستحقاق اليورو بوند في أيار وعرض عليه خريطة طريق تساعد على الحفاظ على إستقرار سعر صرف الليرة وتعيد العلاقة بين المصارف ومودعيها إلى ما كانت عليه قبل إنتفاضة الحراك المدني في ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ تقوم على التالي :
١- دفع فائدة سند اليوروبوند في آذار مع تأجيل إستحقاقه إلى العام ٣٩ مع باقي سندات اليوروبوند المستحقة في ذلك التاريخ .
٢- الذهاب للأسواق المالية الدولية و اعادة حسم سندات اليوروبوند في السوق مع تأجيل جميع استحقاقاتها من العام ٢٠٣٩ لغاية عام ٢٠٤٩ وجلب ما قيمته ٢٥مليار دولار للبلد الذي كانت سوقه المالية آنذاك تحتاج فقط لحوالي ثلاث أو أربع مليار دولار لا أكثر لتعود إلى عافيتها وللأمانة وافق الرئيس دياب على طرح سلامة وأبلغه أمهاله يومين للرد عليه بعد تداوله للأمر مع معاونيه ووزرائه المعنيين. خرج سلامة من عنده مطمئنا لموقفه كما خرج وفد الهيئات الاقتصادية مطمئنا عند زيارته له للتهنئة قبل أيام التي سبقت زيارة سلامة له . لكن في اليوم التالي شنت حملة عشواء على سلامة شخصيا وتدعو لإقالته وتحث دياب وحكومته تحت ضغط الشارع للذهاب إلى إتخاذ حكومته قرار الإمتناع عن الدفع . وهكذا حصل حيث أبلغ دياب سلامة تراجعه عن موقفه الداعم لطرحه بسبب عدم تجاوب باقي المسؤولين معه . فرد عليه سلامة إذن فلتتحملوا أنتم مسؤولية سقوط الليرة وتدهور الوضع النقدي . وهذا ما كان فكانت “مجزرة إعدام الليرة” بقرار همايوني غير مسؤول قامت به حكومة دياب بعراضة إعلامية مضحكة أقل ما يقال فيها بأنها كانت عراضة جهل وتخلف وتآمر أخذت لبنان وأللبنانيين إلى “جحيم” التدهور النقدي حيث نقلت سعر صرف الليرة أمام الدولار بأقل من ساعات معدودة من ١٦٠٠ ليرة إلى ٤٨٠٠ ليرة دفعة واحدة ومن يومها بدأت “مجزرة” إنهيار الليرة وتدحرجها نزولا . وكلنا نعرف كيف تصرف دياب وبعض وزرائه ومستشاريه الماليين مع سلامة بإزدراء وعدم إحترام بالتزامن مع الحملة الشرسة والمبرمجة التي شنت عليه والتي كانت بمثابة قنبلة دخانية لتعمية بصيرة الناس عن القاتل الحقيقي لليرة وتجهيل الدور السلبي والخطير لحكومة دياب في مجزرة إنهيار الوضع النقدي وتحميله للحاكم عبر إجباره على دعم المشتقات النفطية والأدوية والسلع الغذائية مما تسبب بخسارة مصرف لبنان لحوالي ١١مليار دولار من أحتياطه والذي ذهب معظمه لجيوب التجار من محتكري البنزين والمازوت والدواء والقمح والسكر المدعومين من قوى الأمر الواقع في ٨ و١٤ آذار وتيار وطني حر . ولم تنتهي المهزلة القاتلة عند هذا الحد إذ عندما إستقال دياب وكلف ميقاتي بتشكيل الحكومة تلقى الدكتورجوزف طربية إتصال هاتفي من الرئيس دياب الذي عاتبه فيه لانه لم يزره طوال ثمانية أشهر من عمر حكومته . فقال له قبل أن تبلغني عن عتبك علي أنا الذي يجب ابلاغك ليس عتبي عليك فقط بل زعلي منك على نكثك بوعدك لنا عندما زرناك كوفد الهيئات الاقتصادية للتهنئة .فقال لطربية لا نستطيع التحدث على الهاتف فهل تقبل دعوتي لفنجان قهوة غدا . وهكذا كان التقى طربية دياب في اليوم التالي وعاتبه بشدة قائلا له: انت زعلان مني لأنني لم أزورك طوال ثمانية أشهر من عمر حكومتك ، بينما الذي زعلان منك هو أنا . فقال له دياب لماذا ؟ أجابه طربية : أتينا وفد الهيئات الإقتصادية لزيارتك وتهنئتك بتشكيل الحكومة وقمت شخصيا بتحذيرك وتنبيهك عبر الكشف لك عن وجود قرار متخذ قبل تشكيل حكومتك بالتوجه لإمتناع لبنان عن دفع إستحقاق اليروربوند. فأجبتنا إن هذا القرار خطير وأنا لن أقبل بالسير به اذا وجد لانه يؤثر على الوضع النقدي سلبا ويؤدي إلى تدهور خطير بسعر صرف الليرة و غادرنا يومذاك مرتاحين ومطمئنين لموقفك . لنفاجىء بك بعد أسابيع تعلن أنت شخصيا بإسم حكومتك قرار الأمتناع عن الدفع حيث نكثت بوعدك لنا وأخذت وحكومتك قرار قاتل بحق لبنان وشعبه لن يرحمكم عليه التاريخ . أجاب دياب طربية : كان هناك قرار أكبر مني لم أستطع مواجهته . قال له طربية : إذن بين الحفاظ على نفسك وبين ألحفاظ على لبنان واللبنانيين ذهبت إلى الخيار الأول بالحفاظ على نفسك وليس الحفاظ على اللبنانيين وحماية ليرتهم وجنى عمرهم في المصارف لتحمي نفسك من بطش الجهة التي كانت تقف وراء القرار والتي وصفتها لي بأنها أكبر منك بكثير لم تستطع مواجهتها .
يتبين مما تقدم وفق سرد هذه الوقائع الخطيرة وكشفها للبنانيين لأول مرة ما يلي:
أولا : أن رياض سلامة بريء من دم مجزرة سقوط الليرة . وأن كل الحملات الظالمة التي شنت عليه كانت مقصودة للتعمية على الإثم الذي أرتكبه دياب وحكومته .
ثانيا : رياض سلامة كان يملك القدرة للحفاظ على الاستقرار النقدي وإبقاء سعر صرف الليرة بحدود ال١٥٠٠ وحماية أموال المودعين لكن دياب وحكومته منعاه من ذلك تحت ضغط القرار الكبير الذي كشف عنه دياب شخصيا لطربية والذي كان أكبر منه .
ثالثا: بعد الذي كشفه دايفيد شنكر من دور له ولبلاده في الانهيار النقدي والوضع المصرفي والمالي المأزوم في لبنان وتنزيل تصنيف لبنان الإتماني نستنتج أنه هو الجهة التي كان يقصدها دياب لطربية والتي وصفها له بأنها أكبر منه وهي التي كانت وراء إتخاذ حكومة دياب قرار إمتناع لبنان عن دفع أستحقاق اليوروبوند .
رابعا : وهذا يعني أما أن باقي المسؤولين كالرئيسين عون وبري ومعهما وزرائهم المعنيين ومن خلفهم حليفهم حزب الله كانوا كدياب على علم بوجود مثل هذا القرار الكبير الذي لا يستطيعون مواجهته وبالتالي يتحملون جميعهم كامل المسؤولية في مجزرة سقوط الليرة وانهيار الاستقرار النقدي وضرب جنى عمر اللبنانيين وتلك مصيبة كبرى وإذا لم يكونوا هم على علم بالأمر وقد نجح معاونيهم الموثقين من قبلهم من وزراء ومدراء عامين سابقين ومستشارين وخبراء ماليين وإقتصاديين ومصرفيين بإقناع عون وبري ودياب ومعهم باسيل وحزب الله بالذهاب لإتخاذ قرأر إمتناع لبنان عن دفع إستحقاق اليوروبوند في أيار فتلك مصيبة أكبر. حيث أخذوا البلد آنذاك إلى الخراب النقدي والمصرفي وكانت حجتهم حاضرة لتغطية جريمتهم وتآمرهم وهي تحميل إنهيار الليرة وسقوط الاستقرار النقدي للهندسات المالية لسلامة ولسياساته النقدية. وهذا يعني أن هؤلاء المساعدين إستغلوا ثقة رؤسائهم وقياداتهم بهم وهم كانوا فعليا بمثابة عملاء متخفيين لدايفيد شنكر ينفذون توجيهاته سرا في إقناع قياداتهم ورؤسائهم بصوابية قرار الإمتناع عن الدفع وبأن سلامة هو المسؤول عن خراب البصرة نتيجة هندساته المالية وسياساته النقدية وصوروه للبنانيين بأنه هو الشر بعينه .
خامسا : بناء على ما تقدم، هذا الأمر يتطلب من الرئيسين عون وبري ومعهما وإلى جانبهما رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وقيادة حزب الله (وعلى الرئيس دياب أن يفعل الأمر نفسه كذلك ولو أصبح خارج السلطة) مساءلة كل المعاونين من وزراء ومدراء عامين سابقين ومستشارين ماليين وخبراء نقديبن يعملون عندهم وكانوا حاضرين خلال حكومة دياب والذين نصحوهم بالذهاب إلى خيار الإمتناع عن الدفع وفق ما كشفه الرئيس دياب لطربية ومحاسبتهم ومحاكمتهم و الأستغناء عنهم في المواقع التي يشغلونها كمستشارين وخبراء مال وتحميلهم كامل المسؤولية عن هذه الخيانة الوطنية ضد ليرة اللبنانيبن ومدخراتهم في المصارف خدمة لمخطط شنكر في إنهيار لبنان نقديا وإفقار بيئته الوطنية لتركيع حزب الله . فكانت النتيجة أسقطوا اللبنانيين بفقرهم ولم يستطيعوا أسقاط حزب الله .
سادسا : بعد أن يقوم عون وبري وباسيل وحزب الله بمحاسبة معاونيهم الذين كانوا إلى جانبهم خلال حكومة دياب وطردهم ومحاسبتهم وإدخالهم السجن . نتمنى على كل المعنيين وقف حملاتهم الظالمة على سلامة وفتح صفحة بيضاء بعلاقتهم معه والتعاون من الباب العريض ودعمه ليتمكن من إعادة ترميم الوضع النقدي بما يساعد على إستنباط الحلول الإنقاذية التي تساهم بالحفاظ على القطاع المصرفي بعد إعادة هيكليته وحماية كامل ودائع اللبنانيين بكافة شطورهم الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وتصحيح مالية الدولة لإعادة إستنهاض البلد من جديد .
بالخلاصة ثبت بعد كل ما تقدم أن شنكر هو حاكم لبنان الفعلي ومعظم مساعدي قياداته من قوى ٨ و١٤ آذار وتيار وطني حر أزلام عنده ومخبرين ومأجورين ومنفذين لأوامره خدمة لأجندة أسياده وليس خدمة للبنان واللبنانيين طمعا بحفنة من الدولارات الفريش أو طمعا بمركز مالي ونقدي ووزاري .

Written by beirut-act