ترامب إلى أين يقود أميركا والعالم .
أين تقف أميركا أليوم ومعها دول العالم على ضوء ألإجراءت التي أتخذها سيد البيت ألأبيض وإدارته . بإختصار أراد ترامب أن يفرض تعرفات جمركية لتقليص حجم العجز التجاري ألأميركي وقد غالى في النسب التي أعلنها لكي يعقد التسويات مع ألدول . ما لم يكن ينتظره كان ردة فعل العالم بأسره من حلفائه وأصدقائه وأخصامه وأعدائه معا الذين تكتلوا على أميركا في ألوقت الذي لعبت فيه ألصين أوراقها بدقة متناهية فرفعت رسوم إستيراد الإنتاج ألأميركي ولوحت بخفض عملتها بنسبة عشرين في ألمئة في مرحلة أولى وإلى أربعين في ألمئة في مرحلة ثانية ، لكي تقتحم بضائعها ألأسواق ألعالمية بأسعار متهاودة . هل أراد ترامب هز ثقة ألعالم بإقتصاد أميركا ودولارها لجني أرباح مالية بالمليارات هو ورجال مال وأعمال مقربين منه كما أتهمه بعض خصومه في الحزب ألديمقراطي؟ حتما ألجواب لا وغير صحيح لا تعففا بل لأن القانون ألأميركي له بالمرصاد . لكن مما لا شك فيه هو أن ألصين تتمدد بهدوء وثقة وتقنية عالية ، وتستغل سقطات ألولايات المتحدة ألاميركية لمزيد من التوسع . وإحدى هذه ألسقطات ألمهمة هو عملية التعرفات الجمركية والتراجع عنها والتي زرعت التنبه من خطورة أحادية ألدولار كعملة ألإحتياط والتجارة . علما أن صحف أميركية مرموقة ومحطات تلفزيونية عريقة كانت غالت في أستنتاجاتها لجهة تحذيرها وإبداء خوفها وقلقها من أحتمال أن يعمد ألعالم إلى تخليه عن الدولار كعملة وحيدة في التجارة الدولية بعد ألأجراءات ألتي أقدم عليها ترامب وإدارته . طبعا لا نوافقها على خوفها وقلقها ولوضع ألأمور في نصابها لا بد من ألإشارة إلى أن ألصين تحمل أوراقا مالية بالدولار تفوق التريليون ومهما توسعت في أسواق العالم يبقى أن السوق ألأهم وألأغنى لمنتوجاتها هو الولايات المتحدة ألأميركية تليها أوروبا . نعم قد تحصل سقطات أخرى تسرع في عملية أنحسار التعامل بالدولار في المستقبل القصير أو ألمتوسط لا أحد يعرف فهذا ألأمر يبقى منوط بنتائج تراجع ترامب عن ألتعرفات ألجمركية وخاصة سوق سندات ألخزينة . ولهذا لا نتوقع بأن يكون هناك أي أهتزاز للدولار بقيمته ألسوقية ألدولية لا في المدى القصير ولا ألمتوسط ، بل بالعكس ربما سيكون لهذه ألأجراءات ألأثر الاكبر على اليورو واليوان ألصيني والين الياباني والروبي الهندي والدولار الكندي ، وأقل تأثيرا على ألأسترليني حيث ألفائض التجاري في بريطانيا هو لصالح أميركا . ولكن دون شك أن ردة فعل ألصين ألأولي على رفع التعرفات كان بيع سندات خزينة حكومية اميركية بقيمة 240 مليار دولار ، وهذا ألأمر أجبر الخزينة ألأميركية على شراء غالبيتها حفاظا على أستقرار قيمتها وأستقرار الاسواق المالية العالمية . وكان هذا هو ألسبب ألرئيسي لتأجيل (أتوقع لاحقا إلغائها) ترامب للتعرفات . طبعا شراء السندات الصينية من قبل ألخزينة الأميركية سيزيد الدين العام وهذا عكس ما كان يطمح ترامب لتحقيقه باجراءاته تلك . لذلك أخطأ هنا دون شك فكان عليه أن يقوم بمحادثات مع قادة ألدول المعنية كل على حدى بعيدا عن ألأعلام يشرح فيها لهم بأن ألخلل في الميزان ألتجاري الأميركي مع دولهم لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه . وأن يتوصل معهم إلى أتفاقات لردم هذا ألعجز ، بدلا من ممارسته الشعبوية ألعلنية وألظهور على شاشات التلفزة والإعلان عنها بتحدي وكإنه رامبو . وزاد في خطأه أكثر أثناء خطابه أمام الكونغرس حيث شاهد العالم طرد أحد أعضاء المجلس AL Green لإعتراضه على مقطع في خطابه يتعلق بشأن داخلي بحت ، وكيف قام أحد مسؤولي الأمن بأخراجه ، ووقف نائب ألرئيس فانس مصفقا وهو يصرخ shut up and get out . وفي نفس الوقت ضحك العالم عندما سمعوا رئيسه يقول في كلمته أن حرية الرأي في عهده ستكون مصانة أكثر من أي عهد مضى .
بإختصار إنها أميركا ألجديدة ألتي خلال أل4 سنوات القادمة ستغير النظام ألدولي ألذي عاش العالم عليه منذ إنتهاء ألحرب ألعالمية الثانية . فممارسة الديمقراطية لن تكون معيارا أميركيا في ألعلاقات الدولية ، وعمليات قمع الشعوب من قبل أنظمتها لن تدان إذا كانت تخدم ألمصالح ألإميركية . وسيقدم ترامب خلال أل4 سنوات على إنهاء هيئات ومؤسسات وأجهزة دولية وحكومية واحلاف كانت تعتبر أعمدة النظام العالمي . فينهي حلف الناتو ، وصندوق ألنقد ألدولي والبنك الدولي وهيئة الأمم المتحدة بمؤسساتها من الصحة ألعالمية إلى المجلس ألاقتصادي والاجتماعي ، إلى محكمة العدل ألدولية ، إلى مجلس الأمن الدولي المعطل دائما بالفيتو .
وإذا أراد العالم معرفة فكر ترامب وإدارته الحالية والتغيير ألذي ستقوم به ، فما عليه سوى قراءة كتاب جون بولتون ( The Room Where It Happened A White House Memoire ) حيث يقول فيه أن مبدأ القوة الناعمة عند ترامب مبدأ خاطىء وبالتأكيد لا يخدم الولايات ألمتحدة التي تدفع ثمنا باهظا لا جدوى منه سوى خدمة الآخرين . وبعيدا عن رأي بولتون فإن ترامب يرفض من خلال أجراءاته أن تدفع بلاده 16 في ألمئة من ميزانية الناتو لتستفيد دول لا تشارك فيها سوى بحصة هزيلة مثل بولندا وليتوانبا وبلغاريا … ويدعو إلى أن تحل ألولايات المتحدة بمفردها مكان ألناتو وتوقع معاهدات دفاع مع ألدول ألأعضاء لقاء بدل مالي وفق شروطها ، وبهذا تنعكس ألأمور لتصبح مصدر ربح لأميركا بدلا من كلفة ال16 في المئة التي تدفعها بلا جدوى . والأمر ذاته يسري على البنك ألدولي وصندوق النقد الدولي حيث الولايات ألمتحدة هي ألمساهم ألأكبر فيهما . فبدلا من لجوء ألدول ألمحتاجة لقروض مالية للإستدانة ومعالجة أزماتها المالية ، فبرأيه عليها ان تلجأ إلى الولايات المتحدة التي تقوم هي بتقييم المخاطر وتقدم القروض التي تحتاجها وتوفر لها خطط التعافي للخروج من أزماتها . كما يعتقد أن ألأمم ألمتحدة هي مضيعة للوقت والمال ، فأميركا برأيه تغطي لوحدها 30 في ألمئة من أكلاف تلك ألمؤسسة الدولية . وهو يعتبرها مؤسسة فاشلة لا تقوم بالمهام ألتي نشأت من أجلها كمنعها قيام ألحروب وفرض ألأمن والاستقرار ألعالميين ، وكذلك ألأمن الصحي والغذائي ألعالمي. لهذا يعتقد أن دور ألأمم المتحدة يجب أن يكون مناطا ببلاده ألتي تملك من ألقدرة ألعسكرية والمالية والإقتصادية ما يسمح لها القيام بهذه ألمهام بأفضل ما يكون ويتم التعويض ودفع الأموال لها بدلا من أن تدفع هي ألأشتراكات في تلك المؤسسة البالية والفاشلة .
أمام هذه ألمشهدية ألاميركية الجديدة على ألعالم أن ينتظر ويكون مستعدا للتغيرات ألقادمة وربما العثرات . فالتغيير في ألولايات المتحدة سيغير الكثير في عالمنا الذي عرفناه بعد ألحرب ألعالمية ألثانية . لا شك هناك قنبلة موقوتة في أميركا أسمها الدين العام ، وهو بلغ 36 تريليون دولار بنهاية العام ألماضي ، خدمة هذا ألدين بلغت 130 في ألمئة من ألناتج ألقومي ، يعني حتى لو توقف كل صرف الدولة وأستمرت الجباية ، فإن ألدين سيزيد كل سنة . وقد قدرت جامعة هارفرد تصاعد نسبة ألدين إلى الناتج القومي 180في ألمئة في العام 2030 و200 في المئة في العام 2032 . هذه ألمشكلة ستؤدي حتما إلى إزمة عالمية يحاول ترامب وإدارته معالجتها بتقليصه نفقات ألدولة وفي نفس ألوقت زيادة مواردها، كيف؟ عبر :
1- وقف فوري لكل ألصناديق والمساعدات والبرامج التي تم إنشاءها لمد ألسيطرة ألأميركية أثناء الحرب ألباردة ، وأستمرت بعد سقوط الأتحاد السوفياتي .
2- تخفيض فوري لموظفي القطاع العام واوكل المهمة إلى إيلون ماسك .
3- أنسحاب الولايات ألمتحدة من المؤسسات الدولية كما ذكرنا بالتفصيل والتي هي ألممول الأكبر فيها على الأطلاق . وقد وصفها كل من ماسكو وهاورد لوتنك وماركو روبيو بأنها مؤسسات متحجرة لا تأتي بأي نفع لأميركا ، والتي لا بأس إذا حلت مكانها وأصبحت هي ألحكم الفصل في نزاعات ألدول وتتقاضى لقاء ذلك أتعابا مالية وتجني ألأرباح منها .
4 – سياسة الرسوم ألتجارية ، ترامب يقول بكل وضوح إنها تعتمد على الموازين ألتجارية ، فإذا كانت نسبة ألتجارة مع الولايات ألمتحدة متساوية فلن يفرض الرسوم وإذا كانت سلبية فإن رسوم ألأستيراد ستفرض . وهنا تكمن ألخطورة في دخول العالم ب”حروب تجارية كبرى” ستؤدي بالنهاية إلى اقفال مصانع وأفلاس شركات وأغلاق مؤسسات وتراجع في النمو العالمي .
وفق ما تقدم ، لندع شخصية ترامب المثيرة للجدل جانبا ، فإن سيد البيت ألأبيص ليس صاحب ألقرار ، بل هو ناطق بإسم ألدولة ألأميركية العميقة التي من ضمنها ألشركات العملاقة والبنوك ألكبيرة والمراكز ألفكرية ، وهذه تقول : أن يتراجع ألنمو ألعالمي عاجلا أفضل من ألأنهيار الذي لا مهرب منه إذا استمرت ألأمور على ما هي عليه .
يوم كتبنا (18/1/2021) في صفحة ألمنبر بالعزيزة “النهار” مقال : أميركا على طريق ألغروب ، كنا يومذاك نستشرف بتواضع ما هي مقبلة عليه بلاد العم سام ومعها العالم بأسره . وهنا نتساءل في مقالنا أليوم : إلى أين يقود ترامب أميركا والعالم ؟ للأمام أم للوراء ؟ أو يقودها ويقود ألعالم معها نحو حرب عالمية ثالثة تجارية لا عسكرية ؟ الجواب يتوقف عند ما ستحمله معها سنوات ولايته ألأربعة التي ستكون مليئة بالمفاجآت والعجب العجاب .
Leave a Comment