دور جمعية المصارف في إعادة الهيكلة

يسجل مدير عام بنك عودة خليل الدبس لحاكم مصرف لبنان كريم سعيد جرأته في مقاربته لموضوع منع التحوييلات المالية في اي دعوى تقام ضد المصارف في الخارج عبر التعميم الذي أصدره مصرف لبنان بهذا الصدد قبل اسابيع خلت بعدما زادت الدعاوى ضد المصارف اللبنانية المقامة أمام بعض المحاكم الغربية . معتبرا أن جرأة سعيد في تعميمه هذا كانت بمثابة وضع الاصبع عالجرح في الذهاب للبدء في معالجة أزمة الودائع عبر ضرورة الشروع في اقرار قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي للتوصل إلى حلول نهائية تحفظ اموال المودعين . لاشك فيه أن كلام الدبس واشادته بتعميم سعيد يجعل اعداد الحكومة لقانون اعادة هيكلة القطاع المصرفي واصدار مراسيمه التطبيقية يصبح امرا ملحا وضروريا يجب ان تتوصل اليه بوقت سريع لانهاء الازمة والدخول في معالجة القضايا العالقة حولها واهمها الودائع و كيفية اعادتها لاصحابها .
القانون بحد ذاته تنطوي مواده على كمية جافة من التعابير القانونية ، وعلى اسلوب التعامل والتصرف تجاه القطاع ، خصوصا لجهة تعيين واختيار لجنة خاصة تقوم بدراسة الوضعية لكل مصرف على حدى ، لتحديد حجم خسائره والمبالغ المطلوبة من مساهميه لردم فجوته المالية ، التي ستحدد حكما المصرف القادر على الاستمرارية والبقاء او ألمصرف الآيل للدمج مع مصرف آخر أو المصرف الذي يجب شطبه من لائحة المصارف العاملة .
مدى أهمية هذا القانون وتطبيقه يعتمد على معطيات يجب البت بها و إيجاد حلولا ناجحة لمعضلاتها قبل الاخذ به فمثلا :
1- تحديد الجهة المسؤولة عن اعادة الودائع او بالاحرى اعادة الاموال التي اختفت من القطاع المصرفي ومعرفة سبب اختفائها وكيفية استعمالها وهي في هذه الحالة الدولة اللبنانية وحكوماتها المتعاقبة منذ عام ٢٠١٠ وحتى تاريخنا هذا . وأعتراف الدولة بالدين المطلوب سداده منها سيكون المدخل الاساسي والوحيد لبداية الحلول .
2 – عند اعتراف المدين بدينه الذي يعجز عن سداده وهي حالة دولتنا للاسف يتم تحديد اسلوب السداد وامتداد زمنه وقيمته وطرق التسديد …
3 – تحديد حجم الخسارة الناتجة ، وتأثيرها وقيمتها الكلية ، وكذلك توزيعها على الدائنين لكل مصرف على حدى .
4- يعالج عند تحديد الخسارة اسلوب انتهاج مبدا البقاء او الدمج او الزوال لكل مصرف على حدى .
لذلك ان اقرار القانون ومراسيمه التطبيقية لا يعني بدء القدرة على تنفيذه ، قبل وجود خطة لاعادة الودائع وتحديد خسارة المصارف استنادا لاموالها الموظفة المستعملة من قبل الحكومات التي انفقت دائما اكثر من ايراداتها وحققت عجزا متراكما عام بعد آخر ووصلت بحجم الدين العام إلى حدود 100 مليار دولار .
باسلوب مختصر وبغض النظر عما اوردناه فان تحديد حجم الخسائر يعني استقطاعها من أموال المودعين ، وبالتالي كل الخطط التي وضعت من بداية الأزمة وحتى اليوم تعتمد كلها على “هيركات” معين لحجم الودائع وهذا الاستقطاع في مجموعه سيشكل حجم الاموال اللازم ضخها لاعادة هيكلة القطاع يضاف اليه زيادة حجم اموال المصارف الخاصة لتعزيزها بعد انهيار سعر صرف الليرة وتحديد حجم مسؤولية كل جهة عن هدر الودائع وسوء تصرف كل منها مما أدى إلى تحقيق خسائر أكيدة ولو كانت على أنماط وأشكال مختلفة . من هنا علينا أن نكون على الحياد واعطاء الراي بكل تجرد وموضوعية :
أولا: المسؤولية الاساسية هي مسؤولية المدين تجاه دائنه ، اي مسؤولية الدولة وحكوماتها ، منذ أكثر من ٣٠عاما من الانفاق واطفاء العجز في الموازنات السنوية ، وتمويل الهدر في مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة.
ثانيا : مسؤولية الدائن الاول للدولة اي مصرف لبنان على تلبيته طلبات الدولة المالية وتامين القروض لها ولو كانت استنادا للمادة 91 من قانون النقد والتسليف . فقد بلغت ديون مصرف لبنان للدولة حدود 70 مليار دولار ، من اصله حوالي 45 مليار دولار ، استعملتها الحكومات المتعاقبة لدعم مؤسسة كهرباء لبنان . ولأن مصرف لبنان لا يستطيع تامين هذا الحجم من الدين بواسطة امواله الخاصة عمد إلى استدراج الاموال من القطاع الخاص كالمصارف والشركات المالية .
ثالثا: المصارف هي الفريق الثالث في تحمل المسؤولية تجاه المودعين ، ومسؤوليتها هنا (هذا ليس دفاعا عنها) تقع في بند “ثقتها” بمصرف لبنان (هي محقة في ذلك) أكثر من مسؤوليتها المالية ، فهي قد اودعته كم هائل من الاموال على شكل شهادات ودائع وحسابات مختلفة واحتياطي الزامي مفروض قانونا عليها ، من دون تنبهها لمخاطر هذا الامر ، لانها ايداعات عالية الخطورة ، لكونها اقرضتها لجهة واحدة فقط ، مع علمها ان مصرف لبنان يقرضها بدوره للدولة ، وهنا الاهمال الاول الذي وقعت فيه والاهمال الآخر هو توظيفها الكبير في سندات الدولة المباشرة (الاورو بوند) بمبالغ وصلت إلى 34 مليار دولار والتي قيمتها السوقية اليوم باحسن الاحوال لا يتعدى 6 مليار دولار . لن تستطيع الحكومة الحالية الخروج بخطة لاسترجاع الودائع ودفعها لاصحابها الا بالتفاوض المباشر مع أصحاب الاموال الاساسيين وهم المصارف العاملة في القطاع . ولان هذا القطاع منظم و منتظم ، تمثله جمعية منتخبة ومقتدرة من كافة اعضائه يصبح التفاوض المباشر اسهل واهين وهذا ما يحتم على الدولة مشاركة الجمعية في ايجاد الحلول ووضع الخطط الناجحة للخروج من هذه الازمة . ولكي تكون الحلول مفيدة فان مشاركة الجميع في التفاوض على اسس متينة وواضحة ستؤدي حتما للوصول إلى “حل واقعي وسليم” يرضي اولا المودعين على اختلاف شرائحهم الصغيرة والمتوسطة والكبيرة ، وثانيا القطاع المصرفي ، وثالثا الدولة التي تنهي بذلك ازمتها المالية حول هذا الموضوع الوطني للعام الذي يهم كل اللبنانيين من مواطنين إلى لصحاب مؤسسات تجارية وصناعية ونقابات مهن حرة كالاطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين وصولا إلى شريحة واسعة أيضا من المودعين ألعرب .
Leave a Comment