الثنائية بين مأزق باسيل فرنجية والخيار الثالث والفراغ الطويل.

هناك حقائق ووقائع وثوابت وطنية وجودية تخص الثنائي الشيعي لا يستطيعان تخطيها حفاظا على مقاومتهما وحماية لظهيرها وظهير مناصريهما وطائفتهما كانا قد وضعاها لنفسيهما بعد إغتيال الحريري وألإنسحاب السوري من لبنان عام ٢٠٠٥. ومنذ ذلك الوقت لم يتجاوزاها إطلاقا وهي خط أحمر بالنسبة لهما لا يسمحان لأنفسهما أو لأحد حليفا كان أم خصما التأثير عليها سلبا لا سياسيا ولا وطنيا. وزعيمي الثنائية يعرفان أن المطلوب منهما اليوم هو تجاوز المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان وأهله منذ ثلاث سنوات حتى أليوم بآمان وبأقل الخسائر ألممكنة حماية لمناصريهما وطائفتهما كما حصل معهما في العام ٢٠٠٥. وكذلك مطلوب منهما اليوم تجاوز قطوع ألإنتخابات الرئاسية على البلد وأهله ومقاومتهما وبيئتهما وطائفتهما بسلام كما حصل معهما بعد إنتهاء عهد لحود عام ٢٠٠٧ وإنهائهما للفراغ الرئاسي الذي إستمر سبعة أشهر بوفاق لاسيما بعد أحداث السابع من آيار عام ٢٠٠٨. ونظرا أولا للضبابية التي تلف الوضع العربي وألإقليمي والدولي بسبب الحرب ألأوكرانية وغياب وتأخر التسويات في العديد من ملفات المنطقة.ونظرا ثانيا للظروف الإقتصادية والمالية والنقدية الصعبة التي يمر بها البلد والضاغطة على الثنائية وعلى بيئتها وطائفتها والتي ترمي بثقلها وحملها على أللبنانيين عامة وتدفع ببعض قادة أخصامها من القوى السياسية المسيحية والدرزية والسنية خاصة لتحميلها هي وسلاحها مسؤولية هذه ألأزمة. تتمسك الثنائية  اكثر من أي وقت مضى اليوم  بهذه الثوابت التي وضعتها لنفسها من أجل تحصين وجودها  بالداخل والخارج. فما هي هذه الحقائق والثوابت :

أولا : تعرف الثنائية الشيعية أن الوجود العسكري السوري قبل إنسحابه هو الذي كان يؤمن ظهير مقاومتها وبيئتها وطائفتها شعبيا على الصعيد الوطني في المناطق الدرزية والمسيحية والسنية المناهضة لهم على مساحة إنتشاره الواسع من بيروت مرورا بجبل لبنان وصولا للشمال وأنتهاءا بالبقاع ونصف الجنوب حتى صيدا. وبعد إنسحابه في أعقاب إغتيال الحريري إنكشف ظهير الثنائية بمقاومتها وطائفتها وطنيا في معظم المناطق الدرزية والمسيحية والسنية. ولم يحل وجود لحود وبري في الرئاستين ألاولى والثانية دون تماهي السنيورة وحكومته مع نقمة تلك المناطق على الثنائية ومقاومتها وإتخاذه قرارات موجعة ضدها في مجلس الوزراء داخليا وخارحيا. مما إضطر الثنائية للذهاب مرغمة إلى عقد ألإتفاق الرباعي مع الاشتراكي والمستقبل ومن خلفهما القوات اللبنانية وشكل الخمسة لوائح مشتركة خاضوا على أساسها ألإنتخابات النيابية معا لدرجة أن السيد نصرالله إستحضر في إحدى إطلالاته المتلفزة أمام جماهيره شعار بشير الجميل ١٠٤٥٢ كلم مربع. فنجحا بتمرير تلك المرحلة الخطيرة عليهما وعلى طائفتهما بسلاسة وإتزان وآمان.

ثانيا : تعلم الثنائية لا سيما بري إنه لو لم يسارع شريكه نصرالله إلى تحقيقه خرق وطني كبير بعد إنتهاء إلإنتخابات النيابية عام ٢٠٠٥ وتوقيعه ورقة التفاهم مع ألزعيم المسيحي ألأول وألأقوى وألأبرز رئيس التيار الوطني الحر يومذاك ميشال عون في شباط العام ٢٠٠٦ أي قبل عدوان تموز بخمسة أشهر لما كانت إستطاعت أن تحمي ظهير مقاومتها ومقاتليها وطائفتها مسيحيا ووطنيا ولكانت تغيرت نتيجة المواجهة العسكرية وأدت إلى هزيمتها وشرزمة بيئتها وإضعاف حزبها وحركتها وطائفتها. فقيام عون ووريثه وتيارهما السياسي بإحتضان عائلات المقاتلين من مناصري حزب الله وحركة امل وباقي أبناء طائفتهم على مساحة المناطق المسيحية من  بيروت إلى محافظات جبل لبنان والشمال والبقاع دفع بالمناطق الدرزية والسنية في العاصمة وباقي المناطق لتفتح بدورها أبوابها للعائلات الشيعية النازحة من هول العدوان مما أسقط الفتنة المذهبية في ظهير المقاومة وطائفتها بفضل عون وتياره وأفشل قرارات حكومة السنيورة ضدها بالتعاون والتنسيق مع الرئيس لحود الذي واجه هو ألآخر وبصلابة ومن موقعه ألاول السنيورة داخل مجلس الوزراء حماية للمقاومة. ولهذه ألأسباب يعلم بري برغم خلافه السياسي مع باسيل إن طائفته ومقاومتها تدينان بالوفاء لعون وللتيار الوطني الحر وهي بحاجة إلى إستمرار تحالفها معه عبر نصرالله من أجل حماية ظهيرها مسيحيا ووطنيا.

ثالثا : وبناء عليه يعلم بري إنه اذا كان فرنحية هو في قلبه وعقله كليا فهو في المقابل في نصف قلب حزب الله فيما يحظى باسيل بالنصف ألآخر من قلبه ويتقدم عليه بأنه داخل عقله كليا لأنه يتمتع وتياره بحضور شعبي وسياسي واسع ووازن على مساحة الوطن قادر بتحالفها معها على حماية ظهير مقاومتها ومناصريها وأبناء طائفتها مسيحيا.

رابعا : وفي المقابل تعلم الثنائية أنه رغم حاجة حزبها إلى إستمرار تحالفه الوطني مع باسيل لضمان حفظ ظهيره ومقاومته مسيحيا على الساحة الوطنية نظرا لما للإنتشار الواسع والتأثير القوي له ولتياره داخل هذه المناطق إلا إنه يدرك تماما أن هناك صعوبة كبرى بعدم قدرته على إيصاله هذه ألمرة للرئاسة على غرار ما جرى مع عمه عام ٢٠٠٨، نظرا للعداوات والخصومات السياسية الكبيرة التي راكمها طوال سنوات ألعهد مع العديد من القوى الدرزية والمسيحية والسنية البارزة داخليا ومع بعض الدول العربية والغربية المؤثرة خارجيا. إضافة إلى أن الظروف السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي تحكمت بالمشهد السياسي في لبنان وسوريا وايران والتي إنعكست إيجابا على فرض إنتخاب عون يومذاك هي غيرها  أليوم. إضافة طبعا إلى العقوبات ألأميركية عليه والتي زادت من صعوبة وضعه لجهة عدم قدرته على تجاوزها وإمكانية فرض ترشحه وتبنيه على غرار ما حصل مع عمه سابقا.

خامسا : كما تعلم الثنائية إن فرض ترشيح فرنجية وإنتخابه دون موافقة باسيل وتياره مسيحيا يستحيل حتى لو تأمن له كل أصوات نواب القوات اللبنانية والمستقلين المسيحيين والدروز والسنة لأن هذا إلإنتخاب سيكون “مقتلا وإنتحارا للثنائية” لأن من سيفوز بسبق أنتخاب فرنجية في المناطق المسيحية رغما عن باسيل سيكون جعجع حيث سيتمكن بما يملك من إمكانيات مالية ودقة تظيم من تنفيذه “حرب إلغاء” سياسية عليه وعلى تياره في هذه المناطق ويعزز أكثر وأكثر من مكانته السياسية المعارضة والمناهضة لحزب الثنائية ومقاومته ومناصريه الأمر الذي لا يستطيع فرنجية مواجهته أو منعه حتى لو اصبح رئيسا. وهذا ألأمر متنبه له بري كما نصرالله لأن الحفاظ على باسيل وتياره قويا ومتماسكا داخل المناطق المسيحية ليبقى هو ألأبرز وألاقوى فيها هو من المسلمات والخطوط الحمر لحزب الثنائية ولن يسمح لا لجعجع ولا لغيره تخطيها في هذه المناطق وبري ضمنيا يدعمه في هذا التوجه لأن ما يهمه هو حفظ طائفته وظهيرها. ولهذا تصر الثنائية على أن يكون باسيل هو المعبر المسيحي والممر ألإلزامي لإنتخاب فرنجية لضمان عدم تعزيز جعجع لحضوره السياسي في المناطق المسيحية على حساب حليفيها المسيحيين ألأبرز.

وفق ما تقدم تجد الثنائية نفسها أمام ضرورة مصارحة باسيل وفرنجية ووضعهما أمام خيارين لا ثالث لهما إما ألأتفاق فيما بينهما وهذا يبدو مستحيل أو إلإعتذار منهما وهذا ما سيحصل وذهابها لخيار ثالث للأسباب التي أشرنا إليها آنفا لا سيما وأنها ليست في وارد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ووضع طائفتها ومقاومتها من جديد في دائرة الخطر الوجودي الذي كان يتهددها داخليا وخارجيا عام ٢٠٠٥ نتيجة ألإصطفاف الشعبي الدرزي والمسيحي والسني ضدها آنذاك بعد إغتيال الحريري وألإنسحاب السوري. واليوم تجد الثنائية نفسها أمام ذات سيناريو الفراغ الرئاسي الذي وضعت أمامه بعد إنتهاء عهد لحود عام ٢٠٠٧ والذي دام سبعة أشهر حيث إضطرت خلاله للذهاب إلى خيار ثالث عام ٢٠٠٨ بموافقة عون وفرنجية ودعمت إنتخاب قائد الجيش ميشال سليمان لتمريرها تلك المرحلة عليها وعلى طائفتها بوفاق فحافظت بذلك على علاقتها بحليفيها المسيحيين ألأبرز ومررت السنوات الست من عهد سليمان عليها بهدوء رغم أنه في سنواته الثلاثة ألأخيرة لم يكن على وفاق معها وأبتعد عنها تدريجيا وأفترق سياسيا. واليوم الثنائية هي أمام ذات ألإختبار حيث ستكون مضطرة طالما هي أمام حائط مسدود مع حليفيها للذهاب إلى خيار ثالث تطمئن له أولا ويحظى بموافقتهما ثانيا على غرار موافقة عون وفرنجية على سليمان آنذاك. فيكون بذلك نصرالله قد ارضى باسيل وحافظ على تحالفه معه مؤملا له تحضير نفسه للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة كما حصل مع عمه عند إنتخاب سليمان. ويكون بري بالمقابل حفظ مكانة فرنجية السياسية  بقطعه طريق بعبدا على غريمه المسيحي ألأول.  وهكذا تكون الثنائية قد عادلت بين حليفيها ووضعتهما تجاهها بنفس المستوى مسيحيا ووطنيا وحافظت على تحالفها معهما من دون تذمر وزعل أيا منهما معها وحمت بذلك ظهير طائفتها ومقاومتها مسيحيا ووطنيا وذهبت إلى الخيار الثالث الذي من المرجح إذا ما تم التوافق على إسمه محليا وخارجيا أن يكون أنتخابه بوقت ليس ببعيد أي قبل نهاية العام الحالي أو على أبعد تقدير بين مطلع السنة الجديدة  ونيسان من العام المقبل. أما اذا لم يحصل هذا التوافق لتمرير ألإستحقاق الرئاسي  بوقت ليس ببعيد فعندها سيطول الفراغ الرئاسي وستدخل البلاد معه في أتون إضطرابات أمنية متنقلة بين المناطق اللبنانية على غرار أحداث الطيونة وسيشهد البلد أيضا تراجع أكثر بالوضع النقدي والإقتصادي والإجتماعي حتى يأتي القرار الخارجي بحمل قادة القوى السياسية في طائرة واحدة وإجلاسهم على طاولة واحدة في سان كلو أو جنيف أو لوزان على غرار ما حصل في الدوحة عام ٢٠٠٨ وقبله في الطائف عام ١٩٨٩ وفرض عليهم إقرار إصلاحات دستورية جذرية بات لبنان بحاجة لها لإخراجه وأهله من أزمة النظام التي يعيشها لا أزمة حكم والرئيس المقبل سينتخب حينها وفق تلك ألإصلاحات التي نأمل أن يقر خلالها المداورة بالرئاسات وفتح أبوابها أمام إلأكفأ من اللبنانيين إلى أية طائفة إنتموا وذلك بعدما أظهر سياسيو المارونية والشيعية والسنية السياسية منذ إتفاق الطائف حتى اليوم هزالة بالأداء والممارسة داخل السلطات وفي مراكز الفئة ألإولى أدت إلى إفراغ الوطن من أبنائه وإفلاس دولته وإفقار غالبية شعبه. عل ذلك يفتح كوة في جدار ألأمل بإمكانية قيام وطن ودولة حقيقيين من بين ألأنقاض تليق باللبنانيين كمواطنين لا كأتباع وأزلام لهذا البيك والشيخ وذاك الزعيم أو هذا الحزب والتيار أو تلك الجهة الخارجية.

Written by beirut-act